إليك مجموعة من القصائد عن الصديق الوفي من خلال “قصيدة مدح الخوي الكفو”، الصداقة هي أهم ما يمد الفرد بالطاقة الإيجابية، والثقة بالنفس، والمرح في جميع الأوقات؛ فالصديق هو من يُهوّن على صديقه جميع الأوقات القاسية التي يمر بها، كما أنه في أغلب الأوقات يكون مصدر السعادة الوحيد؛ ولهذا السبب عبر الشعراء كثيرًا عن حبهم إلى أصدقائهم من خلال قصائدهم الباقية على مر العصور، وفي هذا المقال اليوم من موسوعة نُقدم لكم مجموعة من أهم القصائد عن الصداقة.
قصيدة لمحمود سامي البارودي عن الصديق
لَيْسَ الصَّدِيقُ الَّذِي تَعْلُو مَنَاسِبُهُ
بَلِ الصَّدِيقُ الَّذِي تَزْكُو شَمَائِلُهُ.
إِنْ رَابَكَ الدَّهْرُ لَمْ تَفْشَلْ عَزَائِمُهُ
أَوْ نَابَكَ الْهَمُّ لَمْ تَفْتُرْ وَسَائِلُهُ.
يَرْعَاكَ فِي حَالَتَيْ بُعْدٍ وَمَقْرَبَةٍ
وَلا تُغِبُّكَ مِنْ خَيْرٍ فَوَاضِلُهُ.
لا كَالَّذِي يَدَّعِي وُدّاً وَبَاطِنُهُ
بِجَمْرِ أَحْقَادِهِ تَغْلِي مَرَاجِلُهُ.
يَذُمُّ فِعْلَ أَخِيهِ مُظْهِراً أَسَفاً
لِيُوهِمَ النَّاسَ أَنَّ الْحُزْنَ شَامِلُهُ.
وَذَاكَ مِنْهُ عِدَاءٌ فِي مُجَامَلَةٍ
فَاحْذَرْهُ وَاعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ خَاذِلُهُ.
قصيدة ابن خفاجة عن الصديق
ياهِزَّةَ الغُصنِ الوَريقِ
وَبَشاشَةَ الرَوضِ الأَنيقِ.
أَتَتكُما بُشرى بِسُقيا
أَم سَلامٌ مِن صَديقِ.
فَهَزَزتُ مِن عِطفٍ نَدٍ
وَسَفَرتَ عَن وَجهٍ طَليقِ.
وَلَقَد أَقولُ إِذا سَرى
بَينَ الأَقاحي وَالشَقيقِ.
بِاللَهِ يانَفسَ الصَبا
حَيِّ الصَديقَ عَنِ الصَديقِ.
قُل لِلحَبيبِ بَلِ الحَميمِ
بَلِ الشَفيقِ بَلِ الشَقيقِ.
يامُلتَقى الخُلقِ الشَريفِ
وَهِشَّةَ الوَجهِ الطَليقِ.
إِنَّ النَجاةَ بَعيدَةٌ
فَاِسلُك بِنا قَصدَ الطَريقِ.
وَاِركُض بِنا رَكضاً حَثيثاً
فيهِ عَن نَظَرٍ دَفيقِ.
فَلِمِثلِها مِن شِقَّةٍ
أَعدَدتُ مِثلَكَ مِن رَفيقِ.
فَاِرغَب بِنَفسِكَ عَن مَكانٍ
قَد نُبِذتَ بِهِ سَحيقِ.
وَاِركَب بِنا اللَفظَ الجَليلَ
وَسِر إِلى المَعنى الدَقيقِ.
وَاِمسَح قَذى طَرفٍ بِهِ
يَمتَدُّ في فَجٍّ عَميقِ.
وَشُبِ الوَعيدَ بِمَوعِدٍ
فَالماءُ يُمزَجُ بِالرَحيقِ.
وَتَلافَ مِن بَحرِ الشُكاةِ
أَخاً يَمُدُّ يَدَ الغَريقِ.
لا بِالسَقيمِ ولا الصَحيحِ
وَلا الأَسيرِ وَلا الطَليقِ.
لَو جِئتَهُ فَفَجَأتَهُ
لَأَقَلَّ جَفنَ المُستَفيقِ.
لا تَبخَلَنَّ بِنَفحَةٍ
وَثَراكَ مِن مِسكٍ فَتيقِ.
وَاِربَع بِوادٍ عُشبُهُ
خَضلٌ وَنَم في رَأسِ نيقِ.
قيصدة إليا أبو ماضي في الصداقة
يا مَن قَرُبتَ مِنَ الفُؤادِ
وَأَنتَ عَن عَيني بَعيد.
شَوقي إِلَيكَ أَشَدَّ مِن
شَوقِ السَليمِ إِلى الهُجود.
أَهوى لِقاءَكَ مِثلَما
يَهوى أَخو الظَمءِ الوُرود.
وَتَصُدُّني عَنكَ النَوى
وَأَصُدُّ عَن هَذا الصُدود.
وَرَدَت نَميقَتَكَ الَّتي
جُمِعَت مِنَ الدُرِّ النَضيد.
فَكَأَنَّ لَفظَكَ لُؤلُؤٌ
وَكَأَنَّما القِرطاسُ جيد.
أَشكو إِلَيك وَلا يُلامُ
إِذا شَكى العاني القُيود.
دَهراً بَليداً ما يُنيلُ
وِدادَهُ إِلّا بَليد.
وَمَعاشِراً ما فيهُمُ
إِن جِئتَهُم غَيرُ الوُعود.
مُتَفَرنِجين وَما التَفَرنُجُ
عِندَهُم غَيرُ الجُحود.
لا يَعرِفونَ مِنَ الشَجاعَةِ
غَيرَ ما عَرِفَ القُرود.
سَيّانِ قالوا بِالرِضى
عَنّي أَوِ السُخطُ الشَديد.
مَن لَيسَ يَصدُقُ في الوُعودِ
فَلَيسَ يَصدُقُ في الوَعيد.
نَفَرٌ إِذا عُدَّ الرِجالُ
عَدَدتُهُم طَيَّ اللَحُد.
تَأبى السَماحَ طِباعَهُم
ما كُلُّ ذي مالٍ يَجود.
أَسخاهُمُ بِنُضارِهِ
أَقسى مِنَ الحَجَرِ الصَلود.
جَعدُ البَنانُ بِعِرضِهِ
يَفدي اللُجَينَ مِنَ الوُفود.
وَيَخافُ مِن أَضيافِهِ
خَوفَ الصَغيرِ مِنَ اليَهود.
تَعِسَ اِمرُؤٌ لا يَستَفيدُ
مِنَ الرِجال وَلا يُفيد.
وَأَرى عَديمَ النَفعِ أَنَّ
وُجودُهُ ضَرَرُ الوُجود.
قصيدة أبي تمام عن الصديق
هِيَ فُرقَةٌ مِن صاحِبٍ لَكَ ماجِدِ
فَغَداً إِذابَةُ كُلِّ دَمعٍ جامِدِ.
فَاِفزَع إِلى ذُخرِ الشُؤونِ وَغَربِهِ
فَالدَمعُ يُذهِبُ بَعضَ جَهدِ الجاهِدِ.
وَإِذا فَقَدتَ أَخاً وَلَم تَفقِد لَهُ
دَمعاً وَلا صَبراً فَلَستَ بِفاقِدِ.
أَعَلِيُّ يا بنَ الجَهمِ إِنَّكَ دُفتَ لي
سَمّاً وَخَمراً في الزُلالِ البارِدِ.
لا تَبعَدَن أَبَداً وَلا تَبعُد فَما
أَخلاقُكَ الخُضرُ الرُبا بِأَباعِدِ.
إِن يُكدُ مُطَّرَفُ الإِخاءِ فَإِنَّنا
نَغدو وَنَسري في إِخاءٍ تالِدِ.
أَو يَختَلِف ماءُ الوِصالِ فَماؤُنا
عَذبٌ تَحَدَّرَ مِن غَمامٍ واحِدِ.
أَو يَفتَرِق نَسَبٌ يُؤَلِّفُ بَينَنا
أَدَبٌ أَقَمناهُ مُقامَ الوالِدِ.
لَو كُنتَ طَرفاً كُنتَ غَيرَ مُدافَعٍ
لِلأَشقَرِ الجَعدِيِّ أَو لِلذائِدِ.
أَو قَدَّمَتكَ السِنُّ خِلتُ بِأَنَّهُ
مِن لَفظِكَ اِشتُقَّت بَلاغَةُ خالِدِ.
أَو كُنتُ يَوماً بِالنُجومِ مُصَدِّقاً
لَزَعَمتُ أَنَّكَ أَنتَ بِكرُ عُطارِدِ.
صَعبٌ فَإِن سومِحتَ كُنتَ مُسامِحاً
سَلِساً جَريرُكَ في يَمينِ القائِدِ.
أُلبِستَ فَوقَ بَياضِ مَجدِكَ نِعمَةً
بَيضاءَ حَلَّت في سَوادِ الحاسِدِ.
وَمَوَدَّةً لا زَهَّدَت في راغِبٍ
يَوماً وَلا هِيَ رَغَّبَت في زاهِدِ.
غَنّاءُ لَيسَ بِمُنكَرٍ أَن يَغتَدي
في رَوضِها الراعي أَمامَ الرائِدِ.
ما أَدَّعي لَكَ جانِباً مِن سُؤدُدٍ
إِلّا وَأَنتَ عَلَيهِ أَعدَلُ شاهِدِ.
قصيدة لابن الرومي عن الصديق
يا من بذلتُ له المحبةَ مخلصاً
في كلّ أحوالي وكنتُ حبيبَهُ.
ورعيتُ ما يرعى ومِلتُ إلى الذي
وردَتْهُ همَّتُهُ فكنتُ شَريبَهُ.
شاركتُهُ في جِدِّهِ ورأيتُهُ
في هزله كُفْئي فكنتُ لعيبَهُ.
أيامَ نسرحُ في مَرَادٍ واحدٍ
للعلم تنتجعُ القلوبُ غريبَهُ.
وكذاك نشرع في غديرٍ واحدٍ
يصف الصفاءُ لوارديهِ طِيبَهُ.
أيسوؤُني مَنْ لم أكنْ لأسوءَهُ
ويُريبني من لم أكن لأُريبَهُ.
ما هكذا يرعى الصديقُ صديقَهُ
ورفيقَهُ وشقيقَهُ ونسيبَهُ.
أأقولُ شعراً لا يُعابُ شبِيهُهُ
فتكونَ أوّلَ عائبٍ تشبيبَهُ.
ما كلُّ من يُعطَى نصيبَ بلاغةٍ
يُنسيهِ من رَعْيِ الصديقِ نصيبَهُ.
أَنَفِسْتَ أن أمررتُ عند خصَاصةٍ
سببَ الثراءِ وما وردتُ قليبَهُ.
إني أراك لدى الورود مُواثبي
وإذا بدا أمرٌ أراك عقيبَهُ.
ولقد رَعَيْتَ الخِصبَ قبلي برهةً
ورعيتُ من مرعى المعاشِ جديبَهُ.
فرأيتُ ذلك كلَّه لك تافهاً
وسخطتُ حظَّك واحتقرتُ رغيبَهُ.
شهد الذي أبْديتَ أنك كاشحٌ
لكنَّ معرفتي تَرَى تكذيبَهُ.
وإذا أرابَ الرأيُ من ذي هفوةٍ
ضمنتْ إنابةُ رأيهِ تأنيبَهُ.
ولقد عَمِرْتُ أظنُّ أنك لو بدا
منّي مَعيبٌ لم تكن لِتَعيبَهُ.
نُبِّئْتُ قوماً عابني سفهاؤُهُمْ
وشهدتَ مَحْفِلَهُمْ وكنتَ خطيبَهُ.
عابوا وعبْتَ بغير حقٍّ منطقاً
لو طال رميُك لم تكن لتصيبَهُ.
ونَكِرتُمُ أنْ كان صدرُ قصيدةٍ
ذِكرَايَ غُصْنَ مُنعَّمٍ وكثيبَهُ.
فكأنكم لم تسمعوا بمُشَبِّهٍ
قبلي ولم تتعودوا تصويبَهُ.
الآنَ حين طلعتُ كلَّ ثَنيَّةٍ
ووطئتُ أبكارَ الكلامِ وَثيبَهُ.
يتعنّتُ المتعنِّتُون قصائدي
جَهلَ المرتِّبُ منطقي ترتيبَهُ.
الآنَ حين زَأَرْتُ واستمع العدا
زأْري وأَنذرَ كَلْبُ شَرٍّ ذِيبَهُ.
يتعرَّضُ المتعرضون عدواتي
حتى يُهِرَّ ليَ المُهِرُّ كَلِيبَهُ.
الآن حين سبقتُ كلَّ مسابقٍ
فتركتُ أسرعَ جريهِ تقريبَهُ.
يتكلَّف المتكلفون رياضتي
لِيُطِلْ بذاك مُعَجِّبٌ تعجيبَهُ.
وَهَبِ القضاءَ كما قضيتَ ألم يكنْ
في محضِ شِعري ما يجيز ضريبَهُ.
هلّا وقد ذُوِّقْتَ دَرَّ قريحتي
فذممتَ حَازِرَهُ حَمَدْتَ حليبَهُ.
بل هبه عيباً لا يجوز ألم يكن
من حق خِلِّكَ أن تحوط مغيبَهُ.
فتكونَ ثَمَّ نصيرَهُ وظهيرَهُ
وخصيم عَائِب شِعْرِهِ ومُجِيبَهُ.
بل ما رضيتَ له بتركِك نصرَهُ
حتى نَعَبْتَ مع السَّفِيهِ نعيبَهُ.
فَثَلَبْتَ معنى مُحسِنٍ وكلامَهُ
ثلباً جعلتَ كَبَدْيِهِ تعقيبَهُ.
حتى كأنك قاصدٌ تعويقَهُ
عمَّا ابتغاهُ وطالبٌ تخييبَهُ.
وأمَا ومابيني وبينَكَ إنَّهُ
عهدٌ رعيْتُ بعيدَهُ وقريبَهُ.
شعر أبي فراس الحمداني عن الصديق
لي صَديقٌ عَلى الزَمانِ صَديقي
وَرَفيقٌ مَعَ الخُطوبِ رَفيقي.
لَو تَراني إِذا اِستَهَلَّت دُموعي
في صَبوحٍ ذَكَرتُهُ أَو غَبوقِ.
أَشرَبُ الدَمعَ مَع نَديمي بِكَأسي
وَأُحَلّي عِقيانَها بِعَقيقِ.
شعر النابغة الزبياني عن الصديق
وَاِستَبقِ وِدَّكَ لِلصَديقِ وَلا تَكُن
قَتَباً يَعَضُّ بِغارِبٍ مِلحاحا.
فَالرُفقُ يُمنٌ وَالأَناةُ سَعادَةٌ
فَتَأَنَّ في رِفقٍ تَنالُ نَجاحا.
وَاليَأسُ مِمّا فاتَ يُعقِبُ راحَةً
وَلِرُبَّ مَطعَمَةٍ تَعودُ ذُباحا.
يَعِدُ اِبنَ جَفنَةَ وَاِبنَ هاتِكِ عَرشِهِ
وَالحارِثَينِ بِأَن يَزيدَ فَلاحا.
وَلَقَد رَأى أَنَّ الَّذي هُوَ غالَهُم
قَد غالَ حِميَرَ قَيلَها الصَبّاحا.
وَالتُبَّعَينِ وَذا نُؤاسٍ غُدوَةً
وَعلا أُذَينَةَ سالِبَ الأَرواحا.
كانت هذه مجموعة من أفضل القصائد العربية التي قيلت في الصديق الوفي منذ العصر الجاهلي، حتى أبرز الشعراء المُعاصرين؛ فللصديق مكانة كبيرة في حياة المرء عبر عنها الشعراء في قصائدهم بكثرة.