قصة قصيرة تحمل معنى كبير نسوقها لكم مع تحليل لها، لأن المهم ليس فقط أن نقف ونستمتع بالقصص وإنما أن نستفيد منها، فما بالنا نقرأ ونقضي وقتا مسليا رغم انعدام الإفادة وننسى وكأننا ما قرأنا، لهذا سنأخذ لكم حكاية ونفصل فيها القول، يمكنكم أن تستمتعوا بقراءتها مع أبناءكم ثم ترشدوهم للدروس المستفادة منها وهكذا تستفيدون من القصة مرتين.
يحكى أن مجموعة من البدو كانت تعيش بالصحراء كسائر البدو وعاداتهم، كانوا يتنقلون بحسب توفر المأكل والمشرب ومصدر إطعام لماشيتهم، كان بتلك المجموعة رجل يعيش في خيمة مع أمه وزوجته وابن له.
كانت والدته قد بلغت من العمر أكبر ما قدر لها، وبهذا العمر ضعفت قدرتها على التذكر مع هذيان وغياب عن الواقع في بعض أحيان، كانت لأجل هذا تتمسك بولدها الذي كان وحيدا لها لم تنجب غيره، خاصة بحالاتها المؤقتة تلك.
ضاق الابن ذرعا بها وبهذا التصرف واختنق من هذيانها، بخاصة أنه كان يظن ان هذا يعيبه ويقلل من شانه عند سائر القوم في مجموعته، فلما كان يوم استعدادهم للانتقال أمر زوجته أن تترك والدته حين يرحلون، مع زاد ومياه، وذلك من أجل أن يتخلص منها إما بالوفاة أو بأكل المفترسين لها، أو باصطحاب أحد ما لها بعيد عنه.
فما كان من الزوجة في اليوم التالي إلا أن نفذت ما أمرها به زوجها، ثم قامت إلى حاجياتهم فلملمتها واستعدوا للرحيل، وبالفعل تحركت بهم القافلة متجهة إلى جهة أخرى.
سار الركب طويلا حتى إذا حانت فترة الظهيرة توقفوا للاستراحة، وتناول الطعام، طلب الابن أو هذا الزوج من زوجته أن تحضر له ابنهما لكي يلاعبه ويسليه، فقد كان وحيده لم ينجب غيره، ولم يكن يحب مفارقته ويحب مداعبته في مثل هذا الوقت.
قالت الزوجة: ان ابنهما ليس موجودا معهما، بل تركته مع أمه، فلا نريده، فتعجب الزوج العاق وسألها ماذا؟ استنكارا وتعجبا لما تقول؟ فقالت الزوجة: سوف يرميك كما رميت أمك بالصحراء.
وكأن الزوج التقم حجرا أو خرت عليه صاعقة من السماء إذ تحجر وأدرك في هذا التوقيت فداحة الخطأ الذي ارتكبه بحق والدته، فأسرع يسرج فرسه ويتوجه إلى مكانهم القديم حيث تركت الأم والحفيد بسرعة مخافة أن ينال منهم الذئب.
كانت العرب البدويون يعرفون أن الحيوانات الضالة والذئاب سريعا ما تحل مكانهم بحثًا عن فتات الأطعمة وما قدر لهم أن ينالوه، كان الابن العاق يدرك هذا ولذا كان يحث الخطى بفرسه ليصل قبل أن يحدث شيئا من هذا.
عندما وصل وجد والدته تضم الصغير وتخرج رأسه ليتنفس فحسب ملقية بالحجارة على الذئاب من حولها التي تلتف تريد أكل الطفل، وسمعها تقول لها أن ترحل وتخزي لأنه ابن فلان أي ابنه الذي هو ابنها.
عندما رأى ما يحدث قتل كثيرا من الذئاب ببندقية الصيد، ففزع الآخرون وهربوا، فحمل أمه على الفرس وابنه معها وعاد إلى المجموعة بعدما شعر بالندم الشديد ودمعت عيناه وأخذ يقبل رأسها مرات ومرات.
ومنذ ذلك اليوم اشتدت معزة زوجته عنده إذ أبصرته بخطئه، وكذلك كان أول ما يرفع على الجمل عند الرحيل أمه ثم أهل بيته وولده ويسير خلفهم.
هي قصة قصيرة لكنها تحمل معان إصلاحية وقيم اجتماعية غائبة عن المجتمع، بعضها موجود وبعضها غير موجود، وقد كثر انتشار هذه الفئات في المجتمع بشكل مبالغ فيه، فما أحوجنا إلى معرفة ورعاية الأم والاهتمام بها كما رعتنا في ميلادنا وحتى أصبحنا شبانا وفتيات.
كان أحد المزارعين يرغب ببيع مزرعته، وكان يعمل لديه عامل فقير بقوت يومه، كان يداوم على العمل بالمزرعة، فلما أراد المزارع بيعها لحاجته، سدد أجور العمال وسرحهم للاشتغال عند آخرين، ثم أعطى هذا العامل أجرته التي كانت تقدر بخمس دينار فقط.
بحث العامل عن عمل فلم يجد ولم يعرف ماذا يفعل بالخمس دنانير تلك، ففكر أن يعطيها التاجر كي يتاجر له بها أو يشتري له شيئا بها من سفره، ورغم أن التاجر أكد عليه أن لا شيء يساوي بهذا المبلغ القليل، إلا أن العامل أصر وألح، فاضطر التاجر للموافقة.
ذهب التاجر إلى واجهة سفره وقضى حوائجه وحوائج الناس التي ائتمنته على أموالهم، عدا أنه لم يجد شيئا يشتريه للعامل، ولكنه ظل يبحث فلم يجد سوى قطًا سمينا بهذه الخمس دنانير فاشتراه له.
عند عودته قام بتوزيع أغراض الناس إليهم، وكان هناك بعض التجار من ضمنهم، فلما شاهدوا القط تهافتوا على شرائه بوزنه ذهبا، فتعجب التاجر واستفسر عن سبب هذا الأمر، فأخبروه بأن الفئران أفسدت لهم مخازنهم وبيوتهم، فهم يريدون القط لهذا السبب.
باع التاجر القط بوزنه ذهبا ثم ذهب إلى العامل وأعطاه المال لكن قبل ذلك سأله عن سر الدنانير الخمسة.
قال العامل أنه لم يرض بزيادة المال عن أجرته عندما أراد المزارع أن يعطيه أكثر قبل بيع المزرعة، وقبل بأجرته الخمس دنانير فقط، فتبسم التاجر وضم العامل، وعرف أن كنز الحلال أغنى من زيادة غير مستحقة.
قصة قصيرة جميلة تعلمنا الرضا بما قسم الله لنا ولو كان قليلا، فالحلال أكثر بركة ومنفعة من زيادة لا تناسب الجهد المبذول.
يحكى أن ولدا صغيرا يدعى رامي، كان وحيد والديه، لكنه كان من التهذيب وحسن الخلق والبر بوالديه ما كان منه، كانت والدته بعد وفاة والده وبقائهما وحيدين معا كثيرا ما توبخ رامي وتعنفه، ويتصادف في أثناء ضربها له تواجد الأهل والأقارب كأعمامه أو أخواله، ولكن رامي كان شجاعا ولم يبكي، بل كان يتحمل ويصمت.
مرت السنون وكبر رامي وأصبح شابًا وحال أمه نفسه لا يكاد يتغير، ثم تزوج وأنجب أبناءًا، وتكرر الأمر معه حتى أمام أبنائه، حيث كانت الأم تضربه أمامهم.
حدث ذات مرة أن ضربته أمه أمام الناس، فبكى، فتعجب المحيطون وسألوه: ما أبكاك يا رامي؟
قال: كيف لا أبكي وقد خفت ضربات أمي كثيرا عما كانت عليه؟
وفاء وتربية وبر، ما أحلاها من صفات حين تتجمع في أي ابن من أبنائنا، من منا لا يحلم بأن يكون ابنه مثل رامي الذي عرف قدر أمه واحترمها، ولم يوبخها مرة على فعلها معه، وما ألطف شعوره حين شعر بدنو أجلها وآلمها حين خفت ألام الضربات عليه.
في أحد أيام فصل الشتاء كان الجو صافيا ولا ينذر بهطول أمطار، كان القطار يسير بسرعته العادية متجها لوجهته، حاملا معه ركابا من كل أنواع البشر، فهذا أب وابنه، وهذا رجل وزوجه، وهذا عائد من عمله، وتلك متجهة إلى السوق، وذاك شاب يبيع منتجاته بالقطار، وآخرون.
دار حوار بين ابن شاب وأبيه كان يجلسان في أحد زوايا عربة القطار بجانب النافذة، وفي المقابل منهما كان هناك الزوجان يجلسان بصمت يستمعان لما حولهما، فسمعا الابن يهتف كالصغار مناديا أباه ومشيرا إلى الأشجار والمياه وتحرك الأغراض مع القطار بشكل جعله يبدو وكأن به مس بعقله.
كان الأب يجيب ابنه بنعم وهو يبتسم ابتسامة خفيفة، تعجب لها الزوجان وتدخلا ناصحين الأب أن يتجه بابنه لأحد المستشفيات، فماذا كان جواب الأب على الزوجين؟
كان جوابه أنهما كانا قادمين من أحد المستشفيات بالفعل حيث أجرى الابن آخر فحوص كشف البصر وأصبح يرى العالم مبصر لأول مرة في حياته.
قصة قصيرة مميزة وتحكي لنا واقعا يعيشه الناس بالفعل، من سوء التدخل في شئون الغير، دون غدراك لعواقب الأمور.
ما أشد أهمية نعمة البصر وأجملها للإنسان، لا يعرف قيمتها إلا من حرم منها، وما أكثر ما نهتم لشئون غيرنا لكننا قد نتسرع أحيانًا بالتدخل والاستنتاج بغير تيقن ولا سؤال حقيقي قبل أن نطرح ما لدينا.
لا ندرك أننا قد نسبب جرحا لغيرنا بدون قصد، وأننا نعرض أنفسنا لمواقف محرجة بلا تعمد، لا لذنب سوى التسرع والحكم الظاهري على الأشياء والأمور.